الماضي المرعب والحاضر البغيض في رواية المؤلف عبداللطيف الحرز (محطة قطار براماتا)

الماضي المرعب والحاضر البغيض في رواية المؤلف عبداللطيف الحرز (محطة قطار براماتا)


الحدث الروائي يسلط الضوء بالمكاشفة الصريحة من واقع الأحداث الفعلية , عن معطيات الفترة المظلمة التي مرت على تاريخ العراق السياسي في الماضي والحاضر معاً . وخاصة فترة حكم صدام حسين في الابادة وقتل المعارضة السياسية , والمجاهدين الذين حملوا السلاح في الاهوار , في مجابهة جند صدام حسين والحرس الجمهوري , وتمادى حكم البعث في وحشيته الدموية , في الإجرام الكارثي في تجفيف الاهوار , وخاصة بعد فشل الانتفاضة الشعبية لعام 1991 . واتخذ قرار تجفيف الاهوار لسحب البساط من المقاومة المسلحة في الاهوار , ان يتكفل الحرس الجمهوري  بالبطش والتنكيل , وتخريب ودمار البيئة في الاهوار بتحويلها الى ارض جافة تماماً ليسهل عمليات المطاردة وصيد المقاومين هناك , في تخريب جنائن الاهوار ( تلك الجنائن المقدسة في جنوب العراق , تم تجفيفها كلياً , وضاعت جميع محاولات إيقاف عملية صدام حسين المجنونة تلك ... جف الماء .... مات الجاموس ... رحل المعدان . . تبعثرت مجموعات الشبان المجاهدين  في الاهوار ضد حكومة حزب البعث وصدام حسين ) ص9 . ولم يبق أمام المقاومة المسلحة إلا  الرحيل الى ايران بعدما سدت جميع الطرق في وجهها وهم يحملون جرحاً عميقاً بالهزيمة والاحباط  ,  الرحيل إلى ايران بعدما فشل الكفاح المسلح في مجابهة نظام البعث  , وهم يحملون هذه الجراح النازفة في القلب والاحساس الداخلي , انثالت هذه الذكريات المؤلمة في محنة الشباب المقاوم , تزاحمت في تداعياتها  محطة القطار ( براماتا ) في استراليا , المحطة المهجورة, ولكن الحدث السردي اتخذها مكاناً لسرد الأحداث العاصفة في , الاهوار , في ايران في معسكرات اللجوء  , في ازقة قم الضيقة . في القسوة التعامل السلطات الايرانية للمهاجرين العراقيين   , في خشونة  الذل والإذلال , في ظروف قاسية في بؤسها وحرمانها المؤلم ( نحن لم نهرب من حكومة صدام حسين , كي نتحول الى قطيع خرفان تائه ) ص20 . لم يبق إلا الحنين الى الاهوار و الى ارض الماء . هذه التجربة الحياتية في شظاياها الملتهبة في الوجدان والقلب , تعمقت في الاتجاه الواقعي , في الفن الروائي  من كنف الاحداث المريرة . في التناول الموضوعي المؤلم في منظور  رواية ( محطة قطار براماتا ) للأديب عبد اللطيف  الحرز . تتقاطر أحداث الذاكرة في كأس علقمها المر , في محنة موجعة في الحنين  ( أيها الهور ...... أيها الهور أغفر لي ..... أغفر لي أيها الهور ... لم ارحل عنك بأرادتي ....... صدقني أيها الهور ... صدقني ..... لقد تهت عنك ..... آآآآآآآآآآآآخ : كم  معطوبة هي بوصلة القلب ) ص 133 .
× ×  اللجوء الى ايران يعني الضياع وتشتت ,  في المدن وفي ازقة قم الضيقة . وكل يوم تتوالى  الطعنات في القلب لتنزف بجراحها , سواء  في معسكرات اللجوء  , او التشرد والمعاناة , تدفع النفس الى فقدان امل الحرية . كأن الانسان يتفسخ بعفونة ( لقد كنتُ محتاراً كيف الخلاص من ايران والنجاة من هذا القبو الديني المقرف , حيث يشكو الجميع من التشوه والتفسخ هنا في ايران ..... في معسكرات اللجوء المتهالكة , في الاهواز وشوارع قم الضيقة . كانت حتى الطفولة تتفسخ وتبعث اليأس الكريهة , مثل فاكهة تدحرجت الى ازقة الطريق العفنة بالنسيان ) ص81 . وكان إمام المهاجر , اما يختار معسكرات الاحزاب الشيعية , أو الدخول الى مدارس الحوزة الدينية لتثقيف الديني , في الخطاب الديني المقيت والمتزمت لا ينتمي الى الواقع , مصاب هذا الخطاب بالانفصام والازدواجية بعيداً عن معاناة المهاجر , في ديماغوجية مقرفة في ترويجها الإعلامي , بينما نجد واقع الحال , شرعية التجارة المحرمة ومنها تجارة المخدرات ( لقد تحول المجاهد حمادة الى بائع المخدرات , ولم لا , فالمعارضة العراقية بأجمعها كانت تتاجر بالمخدرات ) ص82 . وهي تنادي في خطابها الديني , في اقامة دولة دينية على غرار الدولة الدينية الخمينية  ( - لو أقام  الشيعة دولة دينية في العراق , أو في أي بلد آخر , بعد كل الذي جرى في ايران الخمينية , فإن هذا يعني ضرورة حجز الشيعة في محاجر للأمراض  العقلية ) ص12 . ( - بالتأكيد سوف أنتحر , كم سيكون التاريخ مجرماً لو سمح للتجربة الخمينية أن تتكرر ) ص12 . فلا عجب في ذلك يعني ضياع وخراب العراق في المشاكل والأزمات  , كما هو الحاصل الآن فعلاً  ( لا عجب في المتاهة , لا تكون متاهة , لولا أنها لا حدود لها بتاتاً ...... كل شيء في هذا الضياع محرقة خالدة ) ص23 . يعني أصبح المهاجرين عرضة للضياع والتيه في ممارسة أعمال محرمة في سبيل جمع المال , والهروب من جحيم ايران , وإلا فيكون مصيرهم كالقصب الجاف تلتهمه النيران ( اضحى الناس مثل اكوام قصب جاف يتوسل عود ثقاب يحوله الى رماد , ليذهب دخاناً تنذره الرياح الى آخر نقطة الضياع واللاشيء ) ص31 .
×× تحرير العراق بدبابة أميركية :
من حماقات هذا التحرير حول العراق من نظام سيء الى نظام أسوأ , أن هذا التحرر فتح  باب الخراب  وتدمير العراق  , بمثابة فتح صندوق ( باندورا ) لكل العلل والأمراض والمشاكل والأزمات والشرور الطائفية البغيضة  , اضافة الى اباحة النهب والسرقة , كأنهم وجدوا مغارة ( علي بابا ) بنهب الجمل بما حمل , أو نهب البلاد والعباد , ولكن بأسم الدين والمذهب , وفتح الطريق بشكل حر ,  لمرور قوافل التهريب وتجار المخدرات والحشيشة على الهوس الديني الضيق , وأصبحت البصرة  احدى منافذ التهريب في حدودها المفتوحة على ايران ( غدت مدينة البصرة يتقاطر عليها يومياً مئات  الأطنان من الهيروين والحشيشة والترياك.... باتت البصرة , تلك المملكة الإخوانية المتراحمة  ........... عبارة عن مدينة للتشنج الديني والهيروين  معاً . ضيق في الدين وسعة في المخدرات ) ص83 . والقيادات الاحزاب الشيعية ,  اغلبها أمية وجاهلة , لكن اصبحت في المقام الأول في الدولة , في الحكم والمال والنفوذ ( العم ( ابو صادق ) خال حمادة الذي بالكاد يجيد قراءة أسمه , بات اليوم أحد كبار المسؤولين , وأحد أعيان منطقته ) .
×× المنفى في استراليا :
 المنفى ما أشد وجع المنفى
في محطة قطار براماتا يسكب قريحة الجراح في المعاناة والقلق في حسم مسألة اللجوء والقبول , وحتى الاقامة الموقتة لاتشبع الجوعان , ربما ينتهي مفعولها بالطرد , وحتى الوصول الى الاقامة الدائمة , فأن المهاجر حرق مراحل من المعاناة والقلق والإرهاق  النفسي .
   جمعة عبدالله

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

كفاح الزهاوي

19-01-2023 01:09

الناقد والاديب القدير الاستاذ جمعة عبدالله

شكرا لهذه الاضاءة البديعة وانت تلقي الضوء على تاريخ ملطخ بالجرائم البشعة من خلال نقدك لرواية محطة قطار براماتا التى عشنا احداثها في الواقع وشاهدنا تلك الجرائم بام اعيننا. وما يحدث اليوم هو امتداد لتلك البذرة العفنة التي زرعها طاغية العصر المجرم صدام. دمت بالف خير صديقي الاعز

جمعة عبدالله

19-01-2023 01:08

الاديب القدير الاستاذ كفاح الزهاوي اشكرك اخي العزيز على هذا التحليل الدقيق , في ماضي العراق المرعب وحاضره البشع , لقد تجرعنا نارها وعلقمها ايام الطاغية صدام المجرم , ولكن العراق اليوم بالنفايات السياسية الحاكمة هي اسوأ وابشع من صدام المجرم .... تحياتي اخي العزيز

التعليقات

إدراج الإقتباسات...